الحمد لله رب العالمين
الحمد لله الحليم الستار ، العزيز الغفار ، يخلق ما يشاء ويختار ، وكل شىء عنه بمقدار
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، شهادة نشهد عليها اهل الارض والسماء ، شهادة نستودعها عند ربنا ليوم اللقاء ، فتذكرنا يوم اللقاء حجتنا ، وتيسر على الصراط مرورنا ، وتروينا يوم العطش من حوض نبينا
واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله ، وصفيه من خلقه وحبيبه ، بلغ الرسالة ، وادى الامانة ، ونصح للامة ، وكشف الله به الغمة ، وجاهد فى الله حق جهاده حتى اتاه اليقين ، اللهم صلى وسلم وزد وبارك على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى اله وصحبة اجمعين
اما بعد
وكما تعودت معكم على ان التقى بكم لنتدارس ما يمن الله تعالى علينا به من امر ديننا ، فها انا اليوم التقى بكم مجددا لنتدارس موضوع من الموضوعات الهامة التى قد نتغافل عنها ، وهو المجاهرة بالمعصية
احبابى احباب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن من أظلم الظلم أن يسيء المرء إلى من أحسن إليه ، وأن يعصيه في أوامره وأن يخالف تعاليمه، ويزداد هذا القبح وذاك الظلم إذا أعلنه صاحبه وجاهر به ، ولم يبال بمن رآه أو سمعه، حتى لو كان هو الذي أحسن إليه وجاد عليه وتكرم وتفضل.. فما بالك أخي إذا كان المحسن المتفضل علينا جميعا هو الله تعالى، والانسان العاصي المجاهر بمعصيته قد يكون أنا وأنت... إنها بلية عظمى أن يتبجح المرء منا بمعصيته لله عز وجل ويعلنها صريحة مدوية بلسان الحال والمقال ناسياً او لااهيا أو قل متناسياً حق الله وفضله عليه.
لذا نجد ان الشرع المطهر قد حذر من مجاهرة الله بالمعصية وبين الله تعالى أن ذلك من أسباب العقوبة والعذاب ، يتضح ذلك من خلال قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النور:19] هذا الذم والوعيد فيمن يحب إشاعة الفواحش او يرضى بها فما بالك بمن يشيعها ويعلنها.
وقوله تبارك وتعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في نفسير الآية: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بأن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي وقال أبو العالية: ( من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة ) [تفسير ابن كثير:3/576].
كما أخبر سبحانه بأنه لا يحب الجهر بالسوء: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] قال البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ( يعني لا يحب الله الجهر بالقبح من القول إلا من ظلم ) [تفسير البغوي:
و جاء في الحديث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: سمعت رسول الله يقول :{ إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك الله أن يعمهم بعقابة } [رواه الترمذي
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : { كل أمتي معافى إلا المجاهرين } [رواه البخاري ومسلم]. وهكذا سنة الله تعالى في الكون فما أعلن قوم التجرؤ على الله بالمعاصي والتبجح بها إلا وأهلكهم الله وقضى عليهم ودمرهم.. والمتأمل في سير الغابرين والأقوام السالفين يجد ذلك جلياً واضحاً
ولنتأمل جميعا : ما الذي أهبط آدم من الجنة؟ وما الذي أغرق قوم نوح؟ وما الذي أهلك عاداً بريح صرصر عاتية؟ وما الذي أهلك ثمود بالصاعقة؟ وما الذي قلب على قوم لوط ديارهم وأتبعها بالحجارة من السماء؟ وما الذي أغرق فرعون وجنده؟ وما الذي..؟ وما الذي..؟ إنها المعاصي والمجاهرة بها.
فالله تعالى هو القوي والبشر هم الضعفاء والله تعالى هو العزيز وهم الأذلاء بين يديه وهو الكبير المتعالي فله الكبرياء المطلق والعظمة الكاملة. عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله قال الله تعالى:
{ الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار } [رواه مسلم].
ولعل من أسباب قبح هذه المعصية وزيادة شناعتها أن فيها نوعاً من الاستهانة وعدم المبالاة وكأن لسان حال هذه المعاصي لله تعالى يقول: أعلم أنك ترى مكاني وتسمع كلامي وأنك علي رقيب ولعملي شهيد.. ولكن مع ذلك كله أعصيك وأعلن ذلك أمامك وأمام كل من يراني من خلقك !!.
ومن أسباب شناعتها وقبحها أن فيها دعوة للناس إلى الوقوع في المعاصي والانغماس في وحلها.. حيث إن هذا البارز لله بالمعصية يدعو بلسان حاله كل من رآه أو سمع به.. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : {. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً } [رواه مسلم].
ومن أسباب قبحها أن الذي يفعل المعصية جهراً قد يستمرئ ويعتاد على هذا الفعل ويصبح عنده أمراً عادياً فربما أدى به ذلك إلى إباحته واستحلاله ولاشك أن استحلال المعاصي واستباحتها من أخطر الأمور على عقيدة المسلم وقد يؤدي به ذلك إلى الخروج من دين الإسلام لا سيما إذا كان الأمر معلوماً من الدين بالضرورة تحريمه كالزنا واللواط وشرب الخمر وأكل الربا ونحو ذلك من المحرمات أجارنا الله جميعا منها.
ولقد تفشى بين بعض المسلمين - هداهم الله - هذا الداء العضال وسرى في جسد الأمة حتى لا يكاد يسلم منه بلد أو حي أو مجتمع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن صورة المجاهرة بالمعاصي التي ابتلي بها بعض المسلمين:
التخلف عن الصلاة مع الجماعة - مع القدرة عليها - قتجد أحدهم يدخل منزله والصلاة تقام فلا يلقى لها بالاً ولا يكترث ولا يهتم بها وكأن النداء فيها لغيره من الناس والأدهى من ذلك والأمر أن يمارس البعض مهمته من بيع أو شراء أو نحو ذلك في أثناء إقامة المسلمين لهذه الشعيرة العظيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله. في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخالف إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم } [رواه البخاري ومسلم].
ومن صور المجاهرة الدعوة إلى المعاصي والكبائر والإعلان عنها وإذاعتها كما يحصل ذلك في الإعلانات التى نمراها صباحا ومساءا على شاشات التلفاز وفى الشوارع والطرقات وقد تكون هذه الاعلانات لتجارة ربوية أو المساهمة في بنك يتعامل بالربا أو مبيعات محرمة أو الدعوة إلى مشاهدة عروض غنائية أو حفلات مشتملة على الأغاني والموسيقى والطبول والمعازف ونحو ذلك..
ومنها ما يقوم به بعض الشباب - هداهم الله - من الرفع على آلات اللهو من الموسيقى أو معازف في الطرقات أو عند الإشارات أو على الشواطئ وفي المنتزهات ونحو ذلك..
ومنها ما يشاهد بين أوساط بعض الشباب المسلم من التشبه بالغرب وتقليدهم في الكلام واللباس وقصات الشعر والحركات وما شابه ذلك حتى صار بعضهم يفتخر بذلك ويتعالى به وما علم المسكين أنه بذلك دخل جحر الضب من أضيق أبوابه.. فعن سعيد قال: قال رسول الله : { لنتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم } قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ { قال فمن!! } [رواه البخاري ومسلم].
ومنها قيام بعض الكتاب والصحفيين والممثلين ومن على شاكلتهم بكتابة مقالات أو تحقيقات - إن صح التعبير عنها – نرى البعض منها يخالف شرع الله ويناوئ دينه كالكلام في ذات الرب تعالى وتقدس أو سب الدين أو الرسول المعصوم او سب الصحابة والطعن فيهم أو الدعوة إلى مخالفة الكتاب والسنة كالدعوة إلى خروج المرأة وتحررها وخلعها جلباب حيائها وسترها وكالحديث عن حجاب المرأة على وجه التندر والسخرية أو الاستهزاء باللحية أو بتقصير الثوب أو بالمسواك أو التهكم بالصالحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو المشايخ وطلبة العلم ونحو ذلك من صور وأشكال الاستهزاء التى لا يقرها الدين ولا يرضى بها
ومنها ما تقوم به بعض النساء - هداهن الله - من التبرج كالسفور عن الوجه كله أو وضع اللثام أو النقاب والبرقع بشكل ملفت للأنظار، والخروج إلى الشوارع والطرقات والأسواق - لحاجة أحياناً ولغير حاجة أحايين - مع ما قد يصاحب ذلك من التعطر والزينة والتخنع والتميع والخضوع بالقول الذى نهى عنه الشارع الحكيم لما قال سبحانه : فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا . وكثيرا ما نرى ونسمع هذا الامر من الكثيرات ، من النساء فى عصرنا هذا ولا حول ولا قوة الا بالله
ومن المجاهرة التى نهانا عنها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم : أن يتحدث العاصى أمام الملأ بما ستر الله عليه من معاص وآثام فيمسي وقد ستر الله عليه ثم يصبح مجاهراً مفتخراً بمعصيته كما جاء في الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله قال: {.. وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه[رواه البخاري ومسلم].
وإلى كل أولئك وهؤلاء نقول لهم اما أّن لنا ولكم ان نتوب إلى الله و نستغفره ، اما اّن لنا أن نرجع الى الله تعالى ونعلم انه بنا رؤوف رحيم يقبل التوبة عن عبادة ويغفر السيئات ويتجاوز عن الخطيئات وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
ثم إنه من قارف الذنب ووقع في المعصية ثم استتر بستر الله ولم يتبجج ويجاهر بها كان ذلك أدعى إلى التوبة وأرجى للإقلاع عن المعصية والندم على فعلها وعدم العودة إليها ومن ذلك ما جاء عن زيد بن أسلم: أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس قد آن لكم أن تتنهوا عن حدود الله ما أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله.. } [رواه مالك].
وفي الصحيحين عن محرز المازني رحمه الله قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما آخذ بيده إذ عرض رجل فقال: كيف سمعت رسول الله : يقول في النجوى قال (ابن عمر): سمعت رسول الله يقول: { إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: "سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" فيعطي كتاب حسناته.. } [رواه البخارى ومسلم].
أسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يتجاوز عنا ويغفر لنا إنه ولي ذلك والقادر عليه
وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اخيكم فى الله راجى عفوا الله
ابو بهاء المصرى / امام وخطيب مسجد المختار