الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا
أما بعد:
وكما تعودت معكم على ان يكون لى معكم لقاء نتدارس فيه امور ديننا الحنيف فها نحن نلتقى مجددا لنتدارس موضوع الناس كالابل المائه
اخوانى واخواتى فى الله /
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة))، ورواه أيضًا الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وغيرهم.أيهاالاحباب، لقد أعطى الله تبارك وتعالى رسوله محمدًا آيات دالات على صدق نبوته، ومن هذه الآيات أنه عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم كما صح عند مسلم وغيره أن رسول الله قال: ((أعطيت جوامع الكلم))، وهو أن يقول الكلمة أو الكلمات القليلات التي تحتوي معاني عظيمة جليلة وفوائد كثيرة متنوعة.واليوم نقف مع هذا الحديث العظيم الذي هو من جوامع كلمه : ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).يصف النبي في هذا الحديث العظيم حال الناس في الفضل والكمال والاتصاف بالصفات الحسنة، فيبين عليه الصلاة والسلام أن أكثر الناس أهل نقص، أكثر الناس فيهم قصور، معظم الناس لا يحوزون الفضل والسبق فيما يتصفون به من صفات وما يقومون به من أعمال، وأهل الفضل عددهم قليل جدًا، والرسول هنا في هذا الحديث يشبه الناس بمائة من الإبل يبحث فيها صاحبها عن واحد ليتخذه للركوب، وهي الراحلة، فيكاد أن لا يجد، فالمعنى لا تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب؛ لأن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئا سهل الانقياد، وكذا لا تجد في مائة من الناس رجلا سهلا وطيئا ينفع الناس. ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)). فاسأل نفسك يا عبد الله: هل أنت هذه الراحلة من بين المائة من الناس؟ قال ابن بطال رحمه الله: "معنى الحديث أن الناس كثيرٌ، والمرضيّ منهم قليلٌ".، ولو تأملنا قليلا لوجدنا ان لهذا الحديث تطبيقات كثيرة في حياتنا اليومية، يمكن تنزيله على كثير من أحوالنا وتعاملاتنا ليتضح لنا شيء من معنى هذا الحديث، لنستفيد من عبره وفوائده:خذ مثلاً حال كثير من المسلمين في استقامتهم على دينهم والتزامهم بأمر الله وطاعة رسوله، تجد أنهم كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة؛ فكم من المسلمين اليوم قام بحق لا إله إلا الله، هذه الكلمة التي يقولها المسلم في يومه وليلته عدة مرات، وكم من المسلمين اليوم الذين نقضوا هذه الكلمة بأفعال شركية تناقض أصل هذه الكلمة وتنقضها من أصلها، فلا يبقى لها أثر إلا تمتمات وهمهمات تخرج من بين الشفاه لا تفيد صاحبها شيئًا، وقد اجتثت من أصلها بدعاء أموات لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، وطواف حول قبور أناس يزعمونهم من الأولياء، ولو كانوا كذلك أيضًا لم يجز الطواف حول قبورهم وذبح القرابين لهم ووضع النذور لهم، وغير ذلك من مظاهر الشرك التي انتشرت في كثير من بلاد المسلمين ولا حول ولا قوة الا بالله . نسأل الله أن يصلح احوالنا وأحوالهم جميعا.وإذا تأملت بعد ذلك حال المسلمين اليوم في هذا الوصف النبوي من البعد عن البدع وتطبيق السنة والمحافظة عليها وجدتهم كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. تأملوا ـ يا احبابى ـ حال السنة اليوم كيف ذُبحت وهُجرت، وحلّ محلها كثير من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا حجة لأصحابها إلا أنهم وجدوا من قبلهم يفعلها، ففعلوا مثلهم، وتلك حجة داحضة قد رد الله على المشركين مثلها، عندما احتجوا على شركهم بما وجدوا عليه آباءهم، فقال لهم: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [البقرة:170]. فهذه إذًا حجة غير مقبولة عند الله، فلينظر المؤمن لنفسه حجة يلقى الله بها يوم القيامة على ما يقول ويعمل.اخوانى واخواتى ، إن الناس اليوم في تطبيق السنة كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة، أقوام قد ألفوا البدع وتربوا عليها، إذا أنكر عليهم منكر ونصحهم ناصح أبغضوه، وبأنواع التهم رموه، كل ذلك أنه خالفهم فيما ألفوه واعتادوه ، يرون البدعة سنة والسنة بدعة، قائدهم الهوى ودليلهم على غير هدى، يحبون من وافقهم على ما هم فيه ولو كان فيه ما فيه من المخالفات ، ويبغضون من خالفهم وأنكر عليهم ولو كان إمامًا من الأئمة. لقد نطق رسولنا بالوحي عندما قال: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).اخوانى واخواتى /، ثم تأملوا حال كثير من المسلمين اليوم في أخوّتهم ومودّتهم وصداقتهم لبعضهم البعض، تجدهم في صدق الأخوة كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة، فكم من إنسان نزلت به نازلة وحلت به ضائقة فإذا فكر وفكر فيمن يُنْزِلُ به هذه الضائقة من إخوانه ليكون له عونًا وسندًا بعد الله ويعينه على فك ضائقته لم يجد أحدًا من إخوانه يفك له على كثرتهم وسعة ما بسط لهم في رزقهم. أين الأخ الصديق الذي لا يبخل على أخيه بشيء؟! مثل هذا لا يكاد أن يكون موجودًا اليوم إلا ما رحم ربي. لقد أصبحنا اليوم نعيش وضعًا أشبه ما يكون بحال الناس يوم القيامة، كل يقول: نفسي نفسي. أنانية مفرطة، وحب للذات، لا يهم الكثير منا إلا نفسه، يقدم مصلحته على كل أحد، وليس مستعدًا أن يضحي بشيء من حطام الدنيا ولو من أجل أخيه الشقيق، فكيف بإنسان بعيد لا تربطه به إلا أخوة الإسلام.ولذلك تأمل إنفاق كثير من المسلمين اليوم على حاجاتهم الخاصة وشهواتهم، وقارن ذلك بإنفاق من أنفق منهم في الصدقات على إخوانه المسلمين المنكوبين في مشارق الأرض ومغاربها أو ممن هم حوله، ترى الفرق الكبير والبون الشاسع بين النفقتين والله المستعان. قال الإمام القرطبي رحمه الله: "الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذي يحمل أثقال الناس عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة". ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).أيها المسلمون، وتأملوا أيضًا حال المصلين اليوم على ضوء هذا الحديث، تجدهم كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. كم هم اليوم المحافظون على الصلوات الخمس في المساجد كما أمر الله من بين هذا العدد الهائل الذين ينتسبون إلى الإسلام. ومن المحافظين كم عدد الذين يصلون صلاة شرعية على وفق ما أمرنا الشارع حيث قال : ((صلوا كما رأيتموني أصلي)). ثم كم عدد الذين يخشعون في صلاتهم من بين أولئك الذين يصلون الصلاة على صفة صلاة رسول الله . تجد أنك في نهاية الأمر قد تخرج من المجموع الكلي للمسلمين بما قاله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).وكذلك لو تأملنا حال الناس مع الخلق الإسلامي الرفيع الذي أمرنا به ديننا وحثنا عليه تحت ضوء هذا الحديث لوجدنا الناس حقًا كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. فالصدق والأمانة والرحمة والوفاء بالوعد وحفظ العهد وغيرها من الأخلاق التي هي من صميم هذا الدين، تبحث عن هذه الصفات فيمن حولك من الناس فتكاد لا تجد راحلة. ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)) رواه أبو داود.فتأملوا معى ـ رحمكم الله ـ كيف أن الانسان منا قد تدرك مرتبة عبد يصوم النهار ويقوم الليل دون أن تفعل كما فعل من الاجتهاد، بأمر هين سهل ميسور وهو حسن الخلق، بل إن حسن الخلق له وزن عظيم عند الله، فعن أبي الدرداء عن النبي قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)) رواه الترمذي، ولكن المشكلة أن الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة.وتأمل كذلك في حال الناس مع صلة الرحم، تجدهم كما أخبر كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. فيا لله، كم تشتكي الرحم اليوم إلى ربها من القطيعة والهجر، وكم بكت أعين آباء وأمهات من عقوق أبنائهم وقطعهم لبرهم لهم وذلك بعد أن كبر الأبناء واستغنوا عن رعاية والديهم، وكبر الآباء واحتاجوا إلى رعاية أبنائهم، أفيحسب هؤلاء أن الله غافل عما يعملون أو راض بما يفعلون؟! كلا والله، ولكنهم قوم لا يفقهون.فكن على ثقة ـ أيها القاطع لرحمك العاق لوالديك ـ بتعجيل العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، والجزاء من جنس العمل، يقول : ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)) رواه أبو داود والترمذي.أين هم أبناء اليوم من هذه النصوص؟! فبر الوالدين من أعظم القربات، بر الوالدين من أجل الطاعات، ببر الوالدين تتنزل الرحمات وتُكشف الكربات، بر الوالدين مفتاح كل خير ومغلاق كل شر، بر الوالدين من أعظم أسباب دخول الجنان والنجاة من النيران، بر الوالدين سبب في بسط الرزق وطول العمر، بر الوالدين سبب في دفع المصائب، بر الوالدين سبب في إجابة الدعاء. فأين نحن من هذه النفحات يا عبد الله؟! لقد نطق رسولنا بالوحي عندما قال: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).اخوانى واخواتى / وإذا انتقلنا إلى جانب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل للدين وبذل الجهد لإنقاذ الأمة مما تعانيه اليوم والتضحية بكل ما يملك الإنسان لإعزاز دين الله في الأرض فيتضح لك فعلاً أن الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة؛ ولهذا فإن جميع المحاضن التربوية والأنشطة الدعوية والمؤسسات الخيرية تشتكي قلة الطاقات العاملة، مع أننا تشاهد الشباب الذين سيماهم الصلاح بالآلاف، فأين هم عن العمل للإسلام وخدمة الدين؟! إنهم مع كل أسف كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة.ولو ذهبنا نتتبع حالنا مع هذا الحديث لطال بنا المقام، وفيما ذكر كفاية، والحر تكفيه الإشارة عن العبارة.والله أسأل أن يجعلنا من العاملين بكتابه وسنة رسوله ، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا ما ظهر منا وما بطن، وأن يجعلنا من عباده المخلصين، اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزينا برحمتك بالبر والتقوى، واجعلنا من عبادك المهتدين.بارك الله لي ولكم...
اخيكم فى الله الشيخ محسن عطالله ابو بهاء المصرى
امام وخطيب مسجد المختار
أما بعد:
وكما تعودت معكم على ان يكون لى معكم لقاء نتدارس فيه امور ديننا الحنيف فها نحن نلتقى مجددا لنتدارس موضوع الناس كالابل المائه
اخوانى واخواتى فى الله /
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة))، ورواه أيضًا الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وغيرهم.أيهاالاحباب، لقد أعطى الله تبارك وتعالى رسوله محمدًا آيات دالات على صدق نبوته، ومن هذه الآيات أنه عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم كما صح عند مسلم وغيره أن رسول الله قال: ((أعطيت جوامع الكلم))، وهو أن يقول الكلمة أو الكلمات القليلات التي تحتوي معاني عظيمة جليلة وفوائد كثيرة متنوعة.واليوم نقف مع هذا الحديث العظيم الذي هو من جوامع كلمه : ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).يصف النبي في هذا الحديث العظيم حال الناس في الفضل والكمال والاتصاف بالصفات الحسنة، فيبين عليه الصلاة والسلام أن أكثر الناس أهل نقص، أكثر الناس فيهم قصور، معظم الناس لا يحوزون الفضل والسبق فيما يتصفون به من صفات وما يقومون به من أعمال، وأهل الفضل عددهم قليل جدًا، والرسول هنا في هذا الحديث يشبه الناس بمائة من الإبل يبحث فيها صاحبها عن واحد ليتخذه للركوب، وهي الراحلة، فيكاد أن لا يجد، فالمعنى لا تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب؛ لأن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئا سهل الانقياد، وكذا لا تجد في مائة من الناس رجلا سهلا وطيئا ينفع الناس. ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)). فاسأل نفسك يا عبد الله: هل أنت هذه الراحلة من بين المائة من الناس؟ قال ابن بطال رحمه الله: "معنى الحديث أن الناس كثيرٌ، والمرضيّ منهم قليلٌ".، ولو تأملنا قليلا لوجدنا ان لهذا الحديث تطبيقات كثيرة في حياتنا اليومية، يمكن تنزيله على كثير من أحوالنا وتعاملاتنا ليتضح لنا شيء من معنى هذا الحديث، لنستفيد من عبره وفوائده:خذ مثلاً حال كثير من المسلمين في استقامتهم على دينهم والتزامهم بأمر الله وطاعة رسوله، تجد أنهم كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة؛ فكم من المسلمين اليوم قام بحق لا إله إلا الله، هذه الكلمة التي يقولها المسلم في يومه وليلته عدة مرات، وكم من المسلمين اليوم الذين نقضوا هذه الكلمة بأفعال شركية تناقض أصل هذه الكلمة وتنقضها من أصلها، فلا يبقى لها أثر إلا تمتمات وهمهمات تخرج من بين الشفاه لا تفيد صاحبها شيئًا، وقد اجتثت من أصلها بدعاء أموات لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، وطواف حول قبور أناس يزعمونهم من الأولياء، ولو كانوا كذلك أيضًا لم يجز الطواف حول قبورهم وذبح القرابين لهم ووضع النذور لهم، وغير ذلك من مظاهر الشرك التي انتشرت في كثير من بلاد المسلمين ولا حول ولا قوة الا بالله . نسأل الله أن يصلح احوالنا وأحوالهم جميعا.وإذا تأملت بعد ذلك حال المسلمين اليوم في هذا الوصف النبوي من البعد عن البدع وتطبيق السنة والمحافظة عليها وجدتهم كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. تأملوا ـ يا احبابى ـ حال السنة اليوم كيف ذُبحت وهُجرت، وحلّ محلها كثير من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا حجة لأصحابها إلا أنهم وجدوا من قبلهم يفعلها، ففعلوا مثلهم، وتلك حجة داحضة قد رد الله على المشركين مثلها، عندما احتجوا على شركهم بما وجدوا عليه آباءهم، فقال لهم: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [البقرة:170]. فهذه إذًا حجة غير مقبولة عند الله، فلينظر المؤمن لنفسه حجة يلقى الله بها يوم القيامة على ما يقول ويعمل.اخوانى واخواتى ، إن الناس اليوم في تطبيق السنة كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة، أقوام قد ألفوا البدع وتربوا عليها، إذا أنكر عليهم منكر ونصحهم ناصح أبغضوه، وبأنواع التهم رموه، كل ذلك أنه خالفهم فيما ألفوه واعتادوه ، يرون البدعة سنة والسنة بدعة، قائدهم الهوى ودليلهم على غير هدى، يحبون من وافقهم على ما هم فيه ولو كان فيه ما فيه من المخالفات ، ويبغضون من خالفهم وأنكر عليهم ولو كان إمامًا من الأئمة. لقد نطق رسولنا بالوحي عندما قال: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).اخوانى واخواتى /، ثم تأملوا حال كثير من المسلمين اليوم في أخوّتهم ومودّتهم وصداقتهم لبعضهم البعض، تجدهم في صدق الأخوة كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة، فكم من إنسان نزلت به نازلة وحلت به ضائقة فإذا فكر وفكر فيمن يُنْزِلُ به هذه الضائقة من إخوانه ليكون له عونًا وسندًا بعد الله ويعينه على فك ضائقته لم يجد أحدًا من إخوانه يفك له على كثرتهم وسعة ما بسط لهم في رزقهم. أين الأخ الصديق الذي لا يبخل على أخيه بشيء؟! مثل هذا لا يكاد أن يكون موجودًا اليوم إلا ما رحم ربي. لقد أصبحنا اليوم نعيش وضعًا أشبه ما يكون بحال الناس يوم القيامة، كل يقول: نفسي نفسي. أنانية مفرطة، وحب للذات، لا يهم الكثير منا إلا نفسه، يقدم مصلحته على كل أحد، وليس مستعدًا أن يضحي بشيء من حطام الدنيا ولو من أجل أخيه الشقيق، فكيف بإنسان بعيد لا تربطه به إلا أخوة الإسلام.ولذلك تأمل إنفاق كثير من المسلمين اليوم على حاجاتهم الخاصة وشهواتهم، وقارن ذلك بإنفاق من أنفق منهم في الصدقات على إخوانه المسلمين المنكوبين في مشارق الأرض ومغاربها أو ممن هم حوله، ترى الفرق الكبير والبون الشاسع بين النفقتين والله المستعان. قال الإمام القرطبي رحمه الله: "الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذي يحمل أثقال الناس عنهم ويكشف كربهم عزيز الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة". ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).أيها المسلمون، وتأملوا أيضًا حال المصلين اليوم على ضوء هذا الحديث، تجدهم كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. كم هم اليوم المحافظون على الصلوات الخمس في المساجد كما أمر الله من بين هذا العدد الهائل الذين ينتسبون إلى الإسلام. ومن المحافظين كم عدد الذين يصلون صلاة شرعية على وفق ما أمرنا الشارع حيث قال : ((صلوا كما رأيتموني أصلي)). ثم كم عدد الذين يخشعون في صلاتهم من بين أولئك الذين يصلون الصلاة على صفة صلاة رسول الله . تجد أنك في نهاية الأمر قد تخرج من المجموع الكلي للمسلمين بما قاله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).وكذلك لو تأملنا حال الناس مع الخلق الإسلامي الرفيع الذي أمرنا به ديننا وحثنا عليه تحت ضوء هذا الحديث لوجدنا الناس حقًا كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. فالصدق والأمانة والرحمة والوفاء بالوعد وحفظ العهد وغيرها من الأخلاق التي هي من صميم هذا الدين، تبحث عن هذه الصفات فيمن حولك من الناس فتكاد لا تجد راحلة. ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)) رواه أبو داود.فتأملوا معى ـ رحمكم الله ـ كيف أن الانسان منا قد تدرك مرتبة عبد يصوم النهار ويقوم الليل دون أن تفعل كما فعل من الاجتهاد، بأمر هين سهل ميسور وهو حسن الخلق، بل إن حسن الخلق له وزن عظيم عند الله، فعن أبي الدرداء عن النبي قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)) رواه الترمذي، ولكن المشكلة أن الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة.وتأمل كذلك في حال الناس مع صلة الرحم، تجدهم كما أخبر كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة. فيا لله، كم تشتكي الرحم اليوم إلى ربها من القطيعة والهجر، وكم بكت أعين آباء وأمهات من عقوق أبنائهم وقطعهم لبرهم لهم وذلك بعد أن كبر الأبناء واستغنوا عن رعاية والديهم، وكبر الآباء واحتاجوا إلى رعاية أبنائهم، أفيحسب هؤلاء أن الله غافل عما يعملون أو راض بما يفعلون؟! كلا والله، ولكنهم قوم لا يفقهون.فكن على ثقة ـ أيها القاطع لرحمك العاق لوالديك ـ بتعجيل العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، والجزاء من جنس العمل، يقول : ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)) رواه أبو داود والترمذي.أين هم أبناء اليوم من هذه النصوص؟! فبر الوالدين من أعظم القربات، بر الوالدين من أجل الطاعات، ببر الوالدين تتنزل الرحمات وتُكشف الكربات، بر الوالدين مفتاح كل خير ومغلاق كل شر، بر الوالدين من أعظم أسباب دخول الجنان والنجاة من النيران، بر الوالدين سبب في بسط الرزق وطول العمر، بر الوالدين سبب في دفع المصائب، بر الوالدين سبب في إجابة الدعاء. فأين نحن من هذه النفحات يا عبد الله؟! لقد نطق رسولنا بالوحي عندما قال: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).اخوانى واخواتى / وإذا انتقلنا إلى جانب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل للدين وبذل الجهد لإنقاذ الأمة مما تعانيه اليوم والتضحية بكل ما يملك الإنسان لإعزاز دين الله في الأرض فيتضح لك فعلاً أن الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة؛ ولهذا فإن جميع المحاضن التربوية والأنشطة الدعوية والمؤسسات الخيرية تشتكي قلة الطاقات العاملة، مع أننا تشاهد الشباب الذين سيماهم الصلاح بالآلاف، فأين هم عن العمل للإسلام وخدمة الدين؟! إنهم مع كل أسف كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة.ولو ذهبنا نتتبع حالنا مع هذا الحديث لطال بنا المقام، وفيما ذكر كفاية، والحر تكفيه الإشارة عن العبارة.والله أسأل أن يجعلنا من العاملين بكتابه وسنة رسوله ، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا ما ظهر منا وما بطن، وأن يجعلنا من عباده المخلصين، اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبتنا على دينك، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزينا برحمتك بالبر والتقوى، واجعلنا من عبادك المهتدين.بارك الله لي ولكم...
اخيكم فى الله الشيخ محسن عطالله ابو بهاء المصرى
امام وخطيب مسجد المختار