.الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا
أما بعد:
اخوانى واخواتى ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وكما تعودت معكم على ان يكون لى معكم لقاء نتدارس فيه امور ديننا الحنيف فها نحن نلتقى مجددا لنتدارس موضوع ، هو من الاهمية بمكان ، اننا نتدارس موضوع الغفلة التى اصيب بها الكثير من الناس الا من رحم ربى
اخوانى واخواتى : من خاف الوعيد قصر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكل ما هو آت قريب.إن ربكم لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدا، فتزودوا من دنياكم ما تحرزون به أنفسكم غدا. فالأجل مستور، والأمل خادع. تمر الجنائز بالناس يجهزونها ويصلون عليها ويسيرون خلفها يشيعونها محمولة على الاعناق إلى حيث توضع فى قبرها الذى اعد لها . فتراهم يلقون عليها نظرات عابرة، وربما طاف بهم طائف من الحزن يسير. أو أظلهم ظلال من الكآبة خفيف. ثم سرعان ما يغلب على الناس نشوة الحياة وغفلة المعاش ، وكما يقال كل شىء يبدأ صغيرا ثم يكبر الا مصيبة الموت تبدأ كبيرة ثم تصغر .اخوانى واخواتى: إن أهل الغفلة أعمارهم عليهم حجة، وأيامهم تقودهم إلى شقوة. كيف ترجوا الآخرة بغير عمل ؟ أم كيف ترجوا التوبة مع الغفلة والتقصير وطول الأمل؟؟.ويل لأهل الغفلة: إن أعطوا لم يشبعوا، وان منعوا لم يقنعوا، يأمرون بما لا يفعلون، وينهون وهم لا ينتهون، هم للناس لوامون ولأنفسهم مداهنون. نسوا قول الله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } يا أهل الغفلة: هذه الدنيا كم من واثق فيها فجعته؟؟؟ وكم من مطمئن إليها صرعته؟؟ وكم من محتال فيها خدعته؟؟ وكم من مختال أصبح حقيرا؟؟ وذي نخوة أردته ذليلا؟؟ سلطانها دول(1)[1]، وحلوها مر، وعذبها أجاج، وعزيزها مغلوب، العمر فيها قصير، والعظيم فيها يسير، وجودها إلى عدم، وسرورها إلى حزن، وكثرتها إلى قلة، وعافيتها إلى سقم، وغناها إلى فقر. دارها مكارة، وأيامها غرارة، ولأصحابها بالسوء أمارة. الأحوال فيها إما نعم زائلة وإما بلايا نازلة وإما منايا قاضية. عمارتها خراب، واجتماعها فراق، وكل ما فوق التراب تراب.أهل الغفلة لا يشبعون مهما جمعوا، ولا يدركون كل ما أملوا. ولا يحسنون الزاد لما عليه قد أقدموا، يجمعون ولا ينتفعون، ويبنون ما لا يسكنون. ويأملون ما لا يدركون: ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الاْمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].طويل الأمل: يبني ويهدم، وينقض ويبرم، ويقدر فيخطئ التقدير. يقول ويفعل، ويخطط ويدبر، وتأتي الأمور مخالفة للتدبير. يسيء في الاكتساب ويسوف في المتاب ثم هاهو قد جاء أجله وانقطع عمله وأسلمه أهله وانقطعت عنه المعاذير: أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207].يا أهل الغفلة أيها الاخوة والاخوات: ((أكثروا من ذكر هادم اللذات) بهذا أوصى نبيكم محمد . كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة؛ فمن ذكر الموت حق ذكره حاسب نفسه في عمله وأمانيه ولكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة – كما يقول القرطبي رحمه الله – تحتاج إلى تطويل الوعاظ وتزويق الألفاظ. أكثروا من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات، ((فما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا سعة إلا ضيقها)وايمْ الله ليوشكن الباقي منا ومنكم أن يبلى، والحي منا ومنكم أن يموت وأن تدال الأرض منا كما أدلنا منها، فتأكل لحومنا وتشرب دماءنا، كما مشينا على ظهرها وأكلنا من ثمرها وشربنا من مائها ثم تكون كما قال الله: وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاواتِ وَمَن فِى الأرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر:68].لقد وقف نبيكم محمد على شفير قبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال: ((يا إخواني لمثل هذا فأعدوا))(4)[4]، وسأله عليه الصلاة والسلام رجل فقال: من أكيس الناس يا رسول الله؟ فقال: ((أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة))(5)[5].((الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت))(6)[6].يقول الحسن رحمه الله: إن الموت قد فضح الدنيا فلم يدع لذي لبٍّ بها فرحا.ويقول يونس بن عبيد: ما ترك ذكر الموت لنا قرة عين في أهل ولا مال.ويقول مطرِّفٌ: إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيما لا موت فيه. لقد أمِنَ أهل الجنة الموت فطاب لهم عيشهم وأمنوا الأسقام فهنيئا لهم طول مقامهم.أيها المسلمون: اذكروا الموت والسكرات، وحشرجة الروح والزفرات، اذكروا هول المطَّلعَ. من أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت ابتلي بثلاث: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة.كفى بالموت للقلوب مقطعا، وللعيون مبكيا، وللذات هادما. وللجماعات مفرقا. وللأماني قاطعا.استبدل الأموات بظهر الأرض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة، جاءوها حفاة عراة فرادا. اللحود مساكنهم، والتراب أكفانهم، والرفات جيرانهم لا يجيبون داعيا، ولا يسمعون مناديا. كانوا أطول أعمارا وأكثر آثارا، فما أغناهم ذلك من شيء لما جاء أمر ربك، فأصبحت بيوتهم قبورا، وما جمعوا بورا، وصارت أموالهم للوارثين، وأزواجهم لقوم آخرين. حلَّ بهم ريب المنون، وجاءهم ما كانوا يوعدون: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ هل تفكرتم يا اخوانى فى يوم المصرع، انه يوم ليس لدفعه حيلة، ولا ينفع عند نزوله ندم. أزِلْ عن قلبك غشاوة الغافلين، فإنك واقف بين يدي من يعلم توسوس به الصدور، ومن يسأل عن لحظات العيون، ويحاسب على إصغاء الأسماع: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]. ان تذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويمنع الركون إلى الدنيا، ويهون المصائب. تذكروا الموت لعلكم تسلمون من حسرة الفوت.يقول الحسن رحمه الله: اتق الله يا بن آدم، لا يجتمع عليك خصلتان: سكرة الموت وحسرة الفوت.احذر السكرة والحسرة يفجأك الموت وأنت على غرة فلا يصف واصف قدر ما تلقى ولا قدر ما ترى. احذر لا يأخذك الله على ذنب فتلقاه ولا حجة لك.أيها الإخوة والاخوات: أين الخائف من قلة الزاد؟ وأين المتخفف من أثقال الدنيا ؟ أين الوجل من بعد السفر ووحشة الطريق ؟ اكتفى من الدنيا بطِّمريه(7)[7]، ومن طعامه بقرصيه. استعان على دنياه بالعفة والسداد فكفاه في دنياه القليل من الزاد. لقد استحيا من ربه حق الحياء تذكر الموت والبلى فحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى أراد الآخرة فترك زينة الحياة الدنيا. آثر ما يبقى على ما يفنى ذلكم هو كيِّس الأكياس.ألا فاتقوا الله رحمكم الله واحفظوا الله ما إستحفظكم وكونوا أمناء على ما استودعكم، فإنكم عند ربكم موقفون، وعلى أعمالكم مجزيون وعلى تفريطكم نادمون.يقول سبحانه : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].اخوانى واخواتى : ((بادروا بالأعمال قبل أن تشغلوا، فهل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشرٌّ غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمرُّ))([1].لا تكونوا – رحمكم الله – ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويؤخر التوبة لطول الأمل. وقد علمتم أن الموت يأتي بغتة.أكثروا من زيارة القبور فإنها تذكر الآخرة. اعتبروا بمن صار تحت التراب وانقطع عن أهله والأحباب، جاءه الموت في وقت لم يحتسبه وهول لم يرتقبه.وليتأمل الزائر حال من مضى من أقرانه، أكثَروا الآمال وجمعوا الأموال انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم، محا التراب محاسن وجوههم، وتفرقت في القبور أشلاؤهم، وترملت من بعدهم نساؤهم وقسمت أموالهم ومساكنهم: يقول سبحانه : وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94].اتقوا الله رحمكم الله وارجوا الدار الآخرة فتلك دار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبابها، ولا يبلى نعيمها، ولا يتغير حسنها وإحسانها وحِسانُها، يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين: دَعْواهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ [يونس:10].هذه تذكره فمن شاء ذكره اسأل الله لى ولكم السداد والرشاد ، كما اسأله الهدى والتقى
اللهم اختم لنا بالباقيات الصالحات اعمالنا ، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، واعوذ بالله ان اذكركم به وانساه
اخيكم فى الله الشيخ محسن عطالله / ابو بهاء المصرى
امام وخطيب مسجد المختار
أما بعد:
اخوانى واخواتى ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وكما تعودت معكم على ان يكون لى معكم لقاء نتدارس فيه امور ديننا الحنيف فها نحن نلتقى مجددا لنتدارس موضوع ، هو من الاهمية بمكان ، اننا نتدارس موضوع الغفلة التى اصيب بها الكثير من الناس الا من رحم ربى
اخوانى واخواتى : من خاف الوعيد قصر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكل ما هو آت قريب.إن ربكم لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدا، فتزودوا من دنياكم ما تحرزون به أنفسكم غدا. فالأجل مستور، والأمل خادع. تمر الجنائز بالناس يجهزونها ويصلون عليها ويسيرون خلفها يشيعونها محمولة على الاعناق إلى حيث توضع فى قبرها الذى اعد لها . فتراهم يلقون عليها نظرات عابرة، وربما طاف بهم طائف من الحزن يسير. أو أظلهم ظلال من الكآبة خفيف. ثم سرعان ما يغلب على الناس نشوة الحياة وغفلة المعاش ، وكما يقال كل شىء يبدأ صغيرا ثم يكبر الا مصيبة الموت تبدأ كبيرة ثم تصغر .اخوانى واخواتى: إن أهل الغفلة أعمارهم عليهم حجة، وأيامهم تقودهم إلى شقوة. كيف ترجوا الآخرة بغير عمل ؟ أم كيف ترجوا التوبة مع الغفلة والتقصير وطول الأمل؟؟.ويل لأهل الغفلة: إن أعطوا لم يشبعوا، وان منعوا لم يقنعوا، يأمرون بما لا يفعلون، وينهون وهم لا ينتهون، هم للناس لوامون ولأنفسهم مداهنون. نسوا قول الله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } يا أهل الغفلة: هذه الدنيا كم من واثق فيها فجعته؟؟؟ وكم من مطمئن إليها صرعته؟؟ وكم من محتال فيها خدعته؟؟ وكم من مختال أصبح حقيرا؟؟ وذي نخوة أردته ذليلا؟؟ سلطانها دول(1)[1]، وحلوها مر، وعذبها أجاج، وعزيزها مغلوب، العمر فيها قصير، والعظيم فيها يسير، وجودها إلى عدم، وسرورها إلى حزن، وكثرتها إلى قلة، وعافيتها إلى سقم، وغناها إلى فقر. دارها مكارة، وأيامها غرارة، ولأصحابها بالسوء أمارة. الأحوال فيها إما نعم زائلة وإما بلايا نازلة وإما منايا قاضية. عمارتها خراب، واجتماعها فراق، وكل ما فوق التراب تراب.أهل الغفلة لا يشبعون مهما جمعوا، ولا يدركون كل ما أملوا. ولا يحسنون الزاد لما عليه قد أقدموا، يجمعون ولا ينتفعون، ويبنون ما لا يسكنون. ويأملون ما لا يدركون: ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الاْمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].طويل الأمل: يبني ويهدم، وينقض ويبرم، ويقدر فيخطئ التقدير. يقول ويفعل، ويخطط ويدبر، وتأتي الأمور مخالفة للتدبير. يسيء في الاكتساب ويسوف في المتاب ثم هاهو قد جاء أجله وانقطع عمله وأسلمه أهله وانقطعت عنه المعاذير: أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207].يا أهل الغفلة أيها الاخوة والاخوات: ((أكثروا من ذكر هادم اللذات) بهذا أوصى نبيكم محمد . كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة؛ فمن ذكر الموت حق ذكره حاسب نفسه في عمله وأمانيه ولكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة – كما يقول القرطبي رحمه الله – تحتاج إلى تطويل الوعاظ وتزويق الألفاظ. أكثروا من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات، ((فما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا سعة إلا ضيقها)وايمْ الله ليوشكن الباقي منا ومنكم أن يبلى، والحي منا ومنكم أن يموت وأن تدال الأرض منا كما أدلنا منها، فتأكل لحومنا وتشرب دماءنا، كما مشينا على ظهرها وأكلنا من ثمرها وشربنا من مائها ثم تكون كما قال الله: وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاواتِ وَمَن فِى الأرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر:68].لقد وقف نبيكم محمد على شفير قبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال: ((يا إخواني لمثل هذا فأعدوا))(4)[4]، وسأله عليه الصلاة والسلام رجل فقال: من أكيس الناس يا رسول الله؟ فقال: ((أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة))(5)[5].((الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت))(6)[6].يقول الحسن رحمه الله: إن الموت قد فضح الدنيا فلم يدع لذي لبٍّ بها فرحا.ويقول يونس بن عبيد: ما ترك ذكر الموت لنا قرة عين في أهل ولا مال.ويقول مطرِّفٌ: إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيما لا موت فيه. لقد أمِنَ أهل الجنة الموت فطاب لهم عيشهم وأمنوا الأسقام فهنيئا لهم طول مقامهم.أيها المسلمون: اذكروا الموت والسكرات، وحشرجة الروح والزفرات، اذكروا هول المطَّلعَ. من أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت ابتلي بثلاث: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة.كفى بالموت للقلوب مقطعا، وللعيون مبكيا، وللذات هادما. وللجماعات مفرقا. وللأماني قاطعا.استبدل الأموات بظهر الأرض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة، جاءوها حفاة عراة فرادا. اللحود مساكنهم، والتراب أكفانهم، والرفات جيرانهم لا يجيبون داعيا، ولا يسمعون مناديا. كانوا أطول أعمارا وأكثر آثارا، فما أغناهم ذلك من شيء لما جاء أمر ربك، فأصبحت بيوتهم قبورا، وما جمعوا بورا، وصارت أموالهم للوارثين، وأزواجهم لقوم آخرين. حلَّ بهم ريب المنون، وجاءهم ما كانوا يوعدون: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ هل تفكرتم يا اخوانى فى يوم المصرع، انه يوم ليس لدفعه حيلة، ولا ينفع عند نزوله ندم. أزِلْ عن قلبك غشاوة الغافلين، فإنك واقف بين يدي من يعلم توسوس به الصدور، ومن يسأل عن لحظات العيون، ويحاسب على إصغاء الأسماع: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]. ان تذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويمنع الركون إلى الدنيا، ويهون المصائب. تذكروا الموت لعلكم تسلمون من حسرة الفوت.يقول الحسن رحمه الله: اتق الله يا بن آدم، لا يجتمع عليك خصلتان: سكرة الموت وحسرة الفوت.احذر السكرة والحسرة يفجأك الموت وأنت على غرة فلا يصف واصف قدر ما تلقى ولا قدر ما ترى. احذر لا يأخذك الله على ذنب فتلقاه ولا حجة لك.أيها الإخوة والاخوات: أين الخائف من قلة الزاد؟ وأين المتخفف من أثقال الدنيا ؟ أين الوجل من بعد السفر ووحشة الطريق ؟ اكتفى من الدنيا بطِّمريه(7)[7]، ومن طعامه بقرصيه. استعان على دنياه بالعفة والسداد فكفاه في دنياه القليل من الزاد. لقد استحيا من ربه حق الحياء تذكر الموت والبلى فحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى أراد الآخرة فترك زينة الحياة الدنيا. آثر ما يبقى على ما يفنى ذلكم هو كيِّس الأكياس.ألا فاتقوا الله رحمكم الله واحفظوا الله ما إستحفظكم وكونوا أمناء على ما استودعكم، فإنكم عند ربكم موقفون، وعلى أعمالكم مجزيون وعلى تفريطكم نادمون.يقول سبحانه : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].اخوانى واخواتى : ((بادروا بالأعمال قبل أن تشغلوا، فهل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشرٌّ غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمرُّ))([1].لا تكونوا – رحمكم الله – ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويؤخر التوبة لطول الأمل. وقد علمتم أن الموت يأتي بغتة.أكثروا من زيارة القبور فإنها تذكر الآخرة. اعتبروا بمن صار تحت التراب وانقطع عن أهله والأحباب، جاءه الموت في وقت لم يحتسبه وهول لم يرتقبه.وليتأمل الزائر حال من مضى من أقرانه، أكثَروا الآمال وجمعوا الأموال انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم، محا التراب محاسن وجوههم، وتفرقت في القبور أشلاؤهم، وترملت من بعدهم نساؤهم وقسمت أموالهم ومساكنهم: يقول سبحانه : وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94].اتقوا الله رحمكم الله وارجوا الدار الآخرة فتلك دار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبابها، ولا يبلى نعيمها، ولا يتغير حسنها وإحسانها وحِسانُها، يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين: دَعْواهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ [يونس:10].هذه تذكره فمن شاء ذكره اسأل الله لى ولكم السداد والرشاد ، كما اسأله الهدى والتقى
اللهم اختم لنا بالباقيات الصالحات اعمالنا ، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، واعوذ بالله ان اذكركم به وانساه
اخيكم فى الله الشيخ محسن عطالله / ابو بهاء المصرى
امام وخطيب مسجد المختار