بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
نحمدك ربنا حمدا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك
ونشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له ، ونشهد ان سينا محمدا عبده ورسوله
اللهم صلى وسلم وزد وبارك على الحبيب المصطفى والنبى المجتبى وعلى اله وصحبة وسلم
وبعد
اخوانى واخواتى / التقى بكم مجددا لنتدارس موضوع هو من الاهمية بمكان فأعيرونى قلوبكم لنتوقف مع هذا الموضوع عسى ان ينفعنا او يكون لنا نبراسا نستضىء به
اخوانى واخواتى ابنائى وبناتى
إن للخير والشر معان كامنة في النفس الانسانية تعرف بعلامات وسمات ودلالات
فمن سمات الخير: الدعه والحياء والكرم
ومن سمات الشر: القحة والبذاء واللؤم لذلك قيل
حياءك فاحفظه عليك وإنما *** يدل على فعل الكريم حياؤه
إذن: فالحياء علامة تدل على ما في النفس الانسانية من الخير وهو إمارة صادقة على طبيعةالإنسان فيكشف عن مقدار بيانه وأدبه. فعندما ترى إنساناً يشمئز ويتحرج عن فعل ما لاينبغي فاعلم أن فيه خيراً وإيماناً بقدر مافيه من ترك للقبائح.
وتعالوا لنتعرف على الحياء وحقيقته ......................
الحياء: خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودةالتي تستلزم الأنصراف من القبائح وتركها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وهو من خلقالكرام وسمة أهل المرؤة والفضل.
ومن الحكم التي قيلت في شأن الحياء: ( من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه
لذلك فعندما نرى إنساناً لا يكترث ولا يبالي فيما يبدر منه من مظهره أو قوله أوحركاته يكون سبب ذلك قلة حيائه وضعف إيمانه كما جاء في الحديث: { إذا لم تستح فافعل ما شئت}.
قال أبو حاتم: إن المرء إذا إشتد حياؤه صان ودفن مساوئه ونشر محاسنه.
والحياء من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام وأقرها ورغب فيها. وقد جاء فيالصحيحين قول النبي: { الإيمان بضع وسبعونشعبه فأفضلها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة منالإيمان}.
وفي الحديث الذي رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين: { الحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر}.
والسر في كون الحياء من الإيمان: لأن كل منهما داع إلى الخير مُقرب منه صارف عنالشر مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الرب والتقصير في شكره. ويمنع صاحبه كذلك منفعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة.
فالحياء ملازم للعبد المؤمن كالظل لصاحبه وكحرارة بدنه لأنه جزء من عقيدتهوإيمانه ومن هنا كان الحياء خيراً ولا يأتي إلا بالخير، كما في الصحيحين عن النبي: { الحياء لا يأتي إلا بخير}وفي رواية مسلم: { الحياء خير كله}.
وفي الصحيحين أن النبيمر على رجل يعظ أخاه في الحياء: أي يعاتبه فيه لأنهاضر به، فقال له الرسول: { دعه فإن الحياء منالإيمان}فقد أمر الرسولذلك الرجل أن يترك أخاه ويبقيه على حيائه ولو منعصاحبه من إستيفاء حقوقه. إذ ضياع حقوق المرء خير له من أن يفقد حيائه الذي هو منإيمانه وميزة إنسانيته وخيريته.
ورحم الله امرأة كانت فقدت طفلها فوقفت على قوم تسألهم عن طفلها فقال أحدهم: تسأل عن ولدها وهي تغطي وجهها. فسمعته فقال: ( لأن أرزأ في ولدي خير من أن أرزأ فيحيائي أيها الرجل ). سبحان الله.. أين هذه المرأة من نساء اليوم تخرج المرأة كاشفةوجهها مبدية زينتها لا تستحي من الله ولا من الناس أضاعت ولدها فعند الله لها العوضوالأجر أما المرأة التي حياءها وإيمانها فما أعظم الخسارة وما أسوأ العاقبة.
وصدق الشاعر حين قال:
فتاة اليوم ضيعت الصوابا *** وألقت عن مفاتنا الحجابا
فلن تخشى حياءٌ من رقيب *** ولم تخشى من الله الحسابا
إذا سارت بدا ساق وردف *** ولو جلست ترى العجب العجابا
بربك هل سألت العقل يوماً *** أهذا طبع من رام الصوابا
أهذا طبع طالبة لعلم *** إلى الإسلام تنتسب إنتساباً
ما كان التقدم صبغ وجه *** وما كان السفور إليه باباً
شباب اليوم يا أختي ذئاب *** وطبع الحمل أن يخشى الذئاب
أما انقباض النفس عن الفضائل والإنصراف عنها فلا يسمى حياء. فخلق الحياء فيالمسلم غير مانع له من أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر. فإذا منع العبد عن فعل ذلك باعث داخلي فليس هو حياء وإنما هو ضعف إيمانه وجبنه عنقول الحق: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ[الأحزاب:53]... فهذا النبيمع شدة حيائه إلاأنه لم يكن يسكت عن قول الحق بل كان يغضب غضباً شديداً إذا انتهكت محارم الله.. فمنذلك عندما شفع مرة عند رسول اللهأسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فلم يمنعه حياؤهمن أن يقوللأسامة في غضب: { أتشفع في حد من حدود الله يا أسامةوالله لو سرقت فاطمة لقطعت يدها}.
ولم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية أن تقول: يا رسول الله إن الله لا يستحي منالحق فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فيقول لها ولم يمنعه الحياء في بيان العلم: { نعم، إذا رأت الماء}إذاً الحياء لايمنع من الإستفسار والسؤال عما جهل من أمور الدين وما يجب عليه معرفتهوقد قيل: ( يضيع العلم بين الكبر والحياء وهناك من النساء من يمنعها حياؤها بزعمها من تركبعض العادات المحرمة التي اعتادت عليها في مجتمعها مثل مصافحة الرجال الأجانبوالإختلاط بهم فلا تتحجب من أقارب زوجها ولا تمنع دخولهم عليها في بيتها حال غيابزوجها، والنبي الكريم يقول: { إياكم والدخول على النساء} [صحيح الجامع]. فإذا كان خير الخلق لا يصافح نساء الصحابة وهن خير القرون فما بالرجال ونسوة في عصر كثر فيه الشر وأهله أصبحوا لا يرون في المصافحة بأساًَ. محتجينأن قلوبهم تقية ونفوسهم نقية؟ وبالله عليكم أأنتم أزكى نفساً وأطهر قلباً من رسول الله وسيد البشر؟ وهو الذى حذر من مس النساء فقال: { لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأةلا تحل له} [صحيح الجامع].
ومن الناس من يتساهل في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه يستحيمن الإنكار على الناس. ومن ذلك ما يفعله بعض الناس من مجاملة بعضهم لبعض في سماعالغيبة أو سماع أي من المنكرات أو رؤيتها والله عز وجل قال: كُنتُم خَير اُمةٍ أخرِجت لِلنّاسِتَأمرونَ بالمَعروف وَتَنهُونَ عَنِ المُنكرِ وَتُؤمِنُونَ باللّه[آل عمران:110].
وقد حذرنا رسول الله صل الله عليه وسلم : من التساهل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرفقال: { والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عنالمنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعوه فلا يستجاب لكم}.
ثم نأتى الى نوع من انواع الحياء وهذا النوع هو أساس مكارم الأخلاق ومنبع كل فضيلة لأنه يترتب عليهالقول الطيب والفعل الحسن والعفة والنزاهة... و هو ان يستحى المرء منا من الناس وهو قسمان:
قسم أحسن الحياء وأكملة وأتمه. فإن صاحبه يستحي من الناس جازم بأنه لايأتي هذا المنكر والفعل القبيح إلا خوفاً من الله تعالى أولاً ثم اتقاء ملامة الناسوذمهم ثانياً فهذا يأخذ أجر حيائه كاملاً لأنه استكمل الحياء من جميع جهاته إذ ترتبعليه الكف عن القبائح التي لا يرضاها الدين والشرع ويذمه عليها الخلق.
2 ـ قسم يترك القبائح والرذائل حياء من الناس وإذا خلا من الناس لا يتحرج منفعلها وهذا النوع من الناس عنده حياء ولكن حياء ناقص ضعيف يحتاج إلى علاج وتذكيربعظمة ربه وجلاله وأنه أحق أن يستحيا منه لأنه القادر المطلع الذي بيده ملكوت كلشيء الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة فكيف يليق به أن يأكل من رزقه ويعصيه ويعيشفي أرضه وملكوته ولا يطيعه ويستعمل عطاياه فيما لا يرضيه.
وعلى ذلك فإن هذا العبد لا يليق به أن يستحي من الناس الذين لا يملكون له ضراًولا نفعاً لا في الدنيا ولا في الآخرة ثم لا يستحي من الله الرقيب عليه المتفضلعليه الذي ليس له غناء عنه.
أما الذي يجاهر بالمعاصي ولا يستحي من الله ولا من الناس فهذا من شر ما منيت بهالفضيلة وانتهكت به العفة، لأن المعاصي داء سريع الانتقال لا يلبث أن يسري فيالنفوس الضعيفة فيعم شر معصية المجاهر ويتفاقم خطبها، فشره على نفسه وعلى الناسعظيم وخطره على الفضائل كبير، ومن المؤسف أن المجاهرة بالمعاصي التي سببها عدمالحياء من الله ولا من الناس ـ قد فشت في زماننا. فلا شاب ينزجر ولا رجل تدركهالغيرة ولا امرأة يغلب عليها الحياء فتتحفظ وتتستر.. فقد كثر في المجتمعات المسلمةالتبرج من النساء في الأسواق وفي الحدائق العامة وحتى في المساجد. تخرج المرأةكاشفة الوجه مبدية الزينة بكل جرأة لم تجل خالقاً ولم تستحي من مخلوق.
ومن مظاهر عدم الحياء في مجتمع النساء: ان تتحدث المرأة بما يقع بينها وبين زوجها منالأمور والعلاقات الخاصة. وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم : من يفعل ذلك بشيطان أتى شيطانه على قارعة الطريق والناسينظرون.
ومن مظاهر ضعف الحياء لدى بعض النساء: تبسطها بالتحدث مع الرجل الأجنبي مثلالبائع وتليين القول له وترقيق الصوت من أجل أن يخفض لها سعر البضاعة.
ومن المظاهر تشبه النساء بالرجال في اللباس وقصات الشعر والمشية والحركة. وهذافعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء وحرمه الشرع ونهى عنه.
ومن المشاهد المؤسفة التي فشت في وسط النساء هذه الأيام ظاهرة النساء الكاسياتالعاريات - أو النساء شبه العاريات - وذلك بلبس الملابس شديدة الضيق اللاصقة أوالملابس المفتحة من الأعلى والأسفل حتى وصلت إلى حدود العورات المغلظة فلم يراعواديناً ولا حياء ولا مروءة. والله إن المؤمن عندما يرى أمثال هؤلاء يقشعر بدنه حياءمن الله وحياء من الناس. ولكن ماذا تقول لأمثال هؤلاء النسوة؟ وماذا نملك لهن وقدنُزع الحياء من قلوبهن وقابلوا الناس بوجه وقاحاً. وكذلك ما يحدث فى المصايف من مناظر وعرى وتعرى واشياء تأبها الفطرة السوية ويأباها كل مسلم غيور على دينه وعرضه
ثم انتقل بكم الى نوع اخر من الحياء:
الا وهو حياء النفوس العزيزة من أن ترضى لنفسها بالنقص أو تقنع بالدون.
وهذا النوع من الحياء انما يكون بالعفة وصيانة الخلوات وحسن السريرة. فيجد العبد المؤمن نفسهتستحي من نفسه حتى كأن له نفسين تستحي إحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون منالحياء. فإن العبد إذا استحى من نفسه كان جديرا به ان يستحي من غيره
يقول أحد العلماء: ( من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسهعنده قدر ). لذلك نجد ان النفس الانسانية قد تنوعت تنوعا ملحوظا وقد جاء ذكر ذلك فى كتاب الله تعالى :فنرى أن هناك نفساً أمارة بالسوء تأمر صاحبها بالقبائح. قال تعالى على لسانامرأة العزيز: وَمَا أبَرِّىءُ نَفسِي إنَّ النّفسَ لأَمّارَةٌ بِالسُوءِ إلاَمَارَحِمَ رَبِيِ إنّ رَبِي غَفُورٌ رّحِيمٌ[يوسف:53].. والنفس الثانية هي النفسالأمارة بالخير الناهية عن القبائح وهي النفس المطمئنة.
قال تعالى: يَا أيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنَةُ ارجِعِى إلى رَبِكِ رَاضِيَةًمَرضِيَةً فَأدخُلي في عِبادِي وَادخُلي جَنَتي[الفجر:27-30].
وكذلك هناك النفس اللوامة : وهى التى تلوم صاحبها اذا ما وقع فى ذنب من الذنوب او اثم من الاثام : يقول سبحانه : ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ..
إذاً فعلينا أن نجاهد أنفسنا فلا نجعلها تفكر في الحرام ولا تعمله حتى تكون منالنفوس المطمئنة التي تبشر بجنة عرضها السموات والأرض..
يقول تعالى: وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَالَنَهدِيَنّهُمَ سُبُلُنَا وَإنّ اللّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ[العنكبوت:69].
نسأل الله العزيز القدير ذا العرش المجيد أن يعصمنا من الذلل وأن يستر عوراتناويغفر زلاتنا ويقينا شرور أنفسنا وشر الشيطان وشركه.
اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
واخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبهأجمعين.
اخيكم فى الله راجى عفوا الله
الشيخ / محسن عطالله ابو بهاء المصرى
امام وخطيب مسجد المختار
الحمد لله رب العالمين
نحمدك ربنا حمدا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك
ونشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له ، ونشهد ان سينا محمدا عبده ورسوله
اللهم صلى وسلم وزد وبارك على الحبيب المصطفى والنبى المجتبى وعلى اله وصحبة وسلم
وبعد
اخوانى واخواتى / التقى بكم مجددا لنتدارس موضوع هو من الاهمية بمكان فأعيرونى قلوبكم لنتوقف مع هذا الموضوع عسى ان ينفعنا او يكون لنا نبراسا نستضىء به
اخوانى واخواتى ابنائى وبناتى
إن للخير والشر معان كامنة في النفس الانسانية تعرف بعلامات وسمات ودلالات
فمن سمات الخير: الدعه والحياء والكرم
ومن سمات الشر: القحة والبذاء واللؤم لذلك قيل
حياءك فاحفظه عليك وإنما *** يدل على فعل الكريم حياؤه
إذن: فالحياء علامة تدل على ما في النفس الانسانية من الخير وهو إمارة صادقة على طبيعةالإنسان فيكشف عن مقدار بيانه وأدبه. فعندما ترى إنساناً يشمئز ويتحرج عن فعل ما لاينبغي فاعلم أن فيه خيراً وإيماناً بقدر مافيه من ترك للقبائح.
وتعالوا لنتعرف على الحياء وحقيقته ......................
الحياء: خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودةالتي تستلزم الأنصراف من القبائح وتركها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وهو من خلقالكرام وسمة أهل المرؤة والفضل.
ومن الحكم التي قيلت في شأن الحياء: ( من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه
لذلك فعندما نرى إنساناً لا يكترث ولا يبالي فيما يبدر منه من مظهره أو قوله أوحركاته يكون سبب ذلك قلة حيائه وضعف إيمانه كما جاء في الحديث: { إذا لم تستح فافعل ما شئت}.
قال أبو حاتم: إن المرء إذا إشتد حياؤه صان ودفن مساوئه ونشر محاسنه.
والحياء من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام وأقرها ورغب فيها. وقد جاء فيالصحيحين قول النبي: { الإيمان بضع وسبعونشعبه فأفضلها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة منالإيمان}.
وفي الحديث الذي رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين: { الحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر}.
والسر في كون الحياء من الإيمان: لأن كل منهما داع إلى الخير مُقرب منه صارف عنالشر مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الرب والتقصير في شكره. ويمنع صاحبه كذلك منفعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة.
فالحياء ملازم للعبد المؤمن كالظل لصاحبه وكحرارة بدنه لأنه جزء من عقيدتهوإيمانه ومن هنا كان الحياء خيراً ولا يأتي إلا بالخير، كما في الصحيحين عن النبي: { الحياء لا يأتي إلا بخير}وفي رواية مسلم: { الحياء خير كله}.
وفي الصحيحين أن النبيمر على رجل يعظ أخاه في الحياء: أي يعاتبه فيه لأنهاضر به، فقال له الرسول: { دعه فإن الحياء منالإيمان}فقد أمر الرسولذلك الرجل أن يترك أخاه ويبقيه على حيائه ولو منعصاحبه من إستيفاء حقوقه. إذ ضياع حقوق المرء خير له من أن يفقد حيائه الذي هو منإيمانه وميزة إنسانيته وخيريته.
ورحم الله امرأة كانت فقدت طفلها فوقفت على قوم تسألهم عن طفلها فقال أحدهم: تسأل عن ولدها وهي تغطي وجهها. فسمعته فقال: ( لأن أرزأ في ولدي خير من أن أرزأ فيحيائي أيها الرجل ). سبحان الله.. أين هذه المرأة من نساء اليوم تخرج المرأة كاشفةوجهها مبدية زينتها لا تستحي من الله ولا من الناس أضاعت ولدها فعند الله لها العوضوالأجر أما المرأة التي حياءها وإيمانها فما أعظم الخسارة وما أسوأ العاقبة.
وصدق الشاعر حين قال:
فتاة اليوم ضيعت الصوابا *** وألقت عن مفاتنا الحجابا
فلن تخشى حياءٌ من رقيب *** ولم تخشى من الله الحسابا
إذا سارت بدا ساق وردف *** ولو جلست ترى العجب العجابا
بربك هل سألت العقل يوماً *** أهذا طبع من رام الصوابا
أهذا طبع طالبة لعلم *** إلى الإسلام تنتسب إنتساباً
ما كان التقدم صبغ وجه *** وما كان السفور إليه باباً
شباب اليوم يا أختي ذئاب *** وطبع الحمل أن يخشى الذئاب
أما انقباض النفس عن الفضائل والإنصراف عنها فلا يسمى حياء. فخلق الحياء فيالمسلم غير مانع له من أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر. فإذا منع العبد عن فعل ذلك باعث داخلي فليس هو حياء وإنما هو ضعف إيمانه وجبنه عنقول الحق: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ[الأحزاب:53]... فهذا النبيمع شدة حيائه إلاأنه لم يكن يسكت عن قول الحق بل كان يغضب غضباً شديداً إذا انتهكت محارم الله.. فمنذلك عندما شفع مرة عند رسول اللهأسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فلم يمنعه حياؤهمن أن يقوللأسامة في غضب: { أتشفع في حد من حدود الله يا أسامةوالله لو سرقت فاطمة لقطعت يدها}.
ولم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية أن تقول: يا رسول الله إن الله لا يستحي منالحق فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فيقول لها ولم يمنعه الحياء في بيان العلم: { نعم، إذا رأت الماء}إذاً الحياء لايمنع من الإستفسار والسؤال عما جهل من أمور الدين وما يجب عليه معرفتهوقد قيل: ( يضيع العلم بين الكبر والحياء وهناك من النساء من يمنعها حياؤها بزعمها من تركبعض العادات المحرمة التي اعتادت عليها في مجتمعها مثل مصافحة الرجال الأجانبوالإختلاط بهم فلا تتحجب من أقارب زوجها ولا تمنع دخولهم عليها في بيتها حال غيابزوجها، والنبي الكريم يقول: { إياكم والدخول على النساء} [صحيح الجامع]. فإذا كان خير الخلق لا يصافح نساء الصحابة وهن خير القرون فما بالرجال ونسوة في عصر كثر فيه الشر وأهله أصبحوا لا يرون في المصافحة بأساًَ. محتجينأن قلوبهم تقية ونفوسهم نقية؟ وبالله عليكم أأنتم أزكى نفساً وأطهر قلباً من رسول الله وسيد البشر؟ وهو الذى حذر من مس النساء فقال: { لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأةلا تحل له} [صحيح الجامع].
ومن الناس من يتساهل في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه يستحيمن الإنكار على الناس. ومن ذلك ما يفعله بعض الناس من مجاملة بعضهم لبعض في سماعالغيبة أو سماع أي من المنكرات أو رؤيتها والله عز وجل قال: كُنتُم خَير اُمةٍ أخرِجت لِلنّاسِتَأمرونَ بالمَعروف وَتَنهُونَ عَنِ المُنكرِ وَتُؤمِنُونَ باللّه[آل عمران:110].
وقد حذرنا رسول الله صل الله عليه وسلم : من التساهل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرفقال: { والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عنالمنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعوه فلا يستجاب لكم}.
ثم نأتى الى نوع من انواع الحياء وهذا النوع هو أساس مكارم الأخلاق ومنبع كل فضيلة لأنه يترتب عليهالقول الطيب والفعل الحسن والعفة والنزاهة... و هو ان يستحى المرء منا من الناس وهو قسمان:
قسم أحسن الحياء وأكملة وأتمه. فإن صاحبه يستحي من الناس جازم بأنه لايأتي هذا المنكر والفعل القبيح إلا خوفاً من الله تعالى أولاً ثم اتقاء ملامة الناسوذمهم ثانياً فهذا يأخذ أجر حيائه كاملاً لأنه استكمل الحياء من جميع جهاته إذ ترتبعليه الكف عن القبائح التي لا يرضاها الدين والشرع ويذمه عليها الخلق.
2 ـ قسم يترك القبائح والرذائل حياء من الناس وإذا خلا من الناس لا يتحرج منفعلها وهذا النوع من الناس عنده حياء ولكن حياء ناقص ضعيف يحتاج إلى علاج وتذكيربعظمة ربه وجلاله وأنه أحق أن يستحيا منه لأنه القادر المطلع الذي بيده ملكوت كلشيء الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة فكيف يليق به أن يأكل من رزقه ويعصيه ويعيشفي أرضه وملكوته ولا يطيعه ويستعمل عطاياه فيما لا يرضيه.
وعلى ذلك فإن هذا العبد لا يليق به أن يستحي من الناس الذين لا يملكون له ضراًولا نفعاً لا في الدنيا ولا في الآخرة ثم لا يستحي من الله الرقيب عليه المتفضلعليه الذي ليس له غناء عنه.
أما الذي يجاهر بالمعاصي ولا يستحي من الله ولا من الناس فهذا من شر ما منيت بهالفضيلة وانتهكت به العفة، لأن المعاصي داء سريع الانتقال لا يلبث أن يسري فيالنفوس الضعيفة فيعم شر معصية المجاهر ويتفاقم خطبها، فشره على نفسه وعلى الناسعظيم وخطره على الفضائل كبير، ومن المؤسف أن المجاهرة بالمعاصي التي سببها عدمالحياء من الله ولا من الناس ـ قد فشت في زماننا. فلا شاب ينزجر ولا رجل تدركهالغيرة ولا امرأة يغلب عليها الحياء فتتحفظ وتتستر.. فقد كثر في المجتمعات المسلمةالتبرج من النساء في الأسواق وفي الحدائق العامة وحتى في المساجد. تخرج المرأةكاشفة الوجه مبدية الزينة بكل جرأة لم تجل خالقاً ولم تستحي من مخلوق.
ومن مظاهر عدم الحياء في مجتمع النساء: ان تتحدث المرأة بما يقع بينها وبين زوجها منالأمور والعلاقات الخاصة. وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم : من يفعل ذلك بشيطان أتى شيطانه على قارعة الطريق والناسينظرون.
ومن مظاهر ضعف الحياء لدى بعض النساء: تبسطها بالتحدث مع الرجل الأجنبي مثلالبائع وتليين القول له وترقيق الصوت من أجل أن يخفض لها سعر البضاعة.
ومن المظاهر تشبه النساء بالرجال في اللباس وقصات الشعر والمشية والحركة. وهذافعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء وحرمه الشرع ونهى عنه.
ومن المشاهد المؤسفة التي فشت في وسط النساء هذه الأيام ظاهرة النساء الكاسياتالعاريات - أو النساء شبه العاريات - وذلك بلبس الملابس شديدة الضيق اللاصقة أوالملابس المفتحة من الأعلى والأسفل حتى وصلت إلى حدود العورات المغلظة فلم يراعواديناً ولا حياء ولا مروءة. والله إن المؤمن عندما يرى أمثال هؤلاء يقشعر بدنه حياءمن الله وحياء من الناس. ولكن ماذا تقول لأمثال هؤلاء النسوة؟ وماذا نملك لهن وقدنُزع الحياء من قلوبهن وقابلوا الناس بوجه وقاحاً. وكذلك ما يحدث فى المصايف من مناظر وعرى وتعرى واشياء تأبها الفطرة السوية ويأباها كل مسلم غيور على دينه وعرضه
ثم انتقل بكم الى نوع اخر من الحياء:
الا وهو حياء النفوس العزيزة من أن ترضى لنفسها بالنقص أو تقنع بالدون.
وهذا النوع من الحياء انما يكون بالعفة وصيانة الخلوات وحسن السريرة. فيجد العبد المؤمن نفسهتستحي من نفسه حتى كأن له نفسين تستحي إحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون منالحياء. فإن العبد إذا استحى من نفسه كان جديرا به ان يستحي من غيره
يقول أحد العلماء: ( من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسهعنده قدر ). لذلك نجد ان النفس الانسانية قد تنوعت تنوعا ملحوظا وقد جاء ذكر ذلك فى كتاب الله تعالى :فنرى أن هناك نفساً أمارة بالسوء تأمر صاحبها بالقبائح. قال تعالى على لسانامرأة العزيز: وَمَا أبَرِّىءُ نَفسِي إنَّ النّفسَ لأَمّارَةٌ بِالسُوءِ إلاَمَارَحِمَ رَبِيِ إنّ رَبِي غَفُورٌ رّحِيمٌ[يوسف:53].. والنفس الثانية هي النفسالأمارة بالخير الناهية عن القبائح وهي النفس المطمئنة.
قال تعالى: يَا أيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنَةُ ارجِعِى إلى رَبِكِ رَاضِيَةًمَرضِيَةً فَأدخُلي في عِبادِي وَادخُلي جَنَتي[الفجر:27-30].
وكذلك هناك النفس اللوامة : وهى التى تلوم صاحبها اذا ما وقع فى ذنب من الذنوب او اثم من الاثام : يقول سبحانه : ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ..
إذاً فعلينا أن نجاهد أنفسنا فلا نجعلها تفكر في الحرام ولا تعمله حتى تكون منالنفوس المطمئنة التي تبشر بجنة عرضها السموات والأرض..
يقول تعالى: وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَالَنَهدِيَنّهُمَ سُبُلُنَا وَإنّ اللّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ[العنكبوت:69].
نسأل الله العزيز القدير ذا العرش المجيد أن يعصمنا من الذلل وأن يستر عوراتناويغفر زلاتنا ويقينا شرور أنفسنا وشر الشيطان وشركه.
اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
واخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبهأجمعين.
اخيكم فى الله راجى عفوا الله
الشيخ / محسن عطالله ابو بهاء المصرى
امام وخطيب مسجد المختار