الحمد لله رب العالمين
الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله ، واشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة نشهد عليها اهل الارض والسماء شهادة نستودعها عند ربنا ليوم اللقاء ، فتذكرنا يوم اللقاء حجتنا وتيسر على الصراط مرورنا وتروينا يوم العطش من حوض نبينا
واشهدان سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد رسول الله طب القلوب ودواءها وعافية الابدان وشفائها ، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير الله صلى وسلم وزد وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله واصحابه واتباعه الى يوم الدين
اما بعد
اخوانى واخواتى احبابى احباب رسول الله :
مما لا شك ولا ريب فيه أنّ كل إنسان منا له قرينه من الشياطين، فقد أخبرنا الرسول بذلك، فقد ورد فى صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي من عندي ليلاً، فغِرْتُ عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: ((ما لك يا عائشة؟)) قلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟! فقال: ((أقد جاءك شيطانك؟!)) قلت: يا رسول الله، أَوَمعي شيطان؟! قال: ((نعم))، قلت: ومع كل إنسان؟! قال: ((نعم))، قلت: ومعك يا رسول الله؟! قال: ((نعم، ولكنّ ربي أعانني عليه حتى أسلَمَ))، وفي صحيح مسلم وأحمد قال رسول الله : ((ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينُهُ من الجن وقرينُهُ من الملائكة))، فأخبرنا النبي أن لكل إنسان عدوًّا وقرينًا من الشيطان يتربّص به جاهدًا ومحاولاً لإضلاله عن صراط الله المستقيم. ولله الحكمة البالغة في ذلك، فقد سلّطه الله على عباده ابتلاءً وامتحانًا، قال تعالى: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوالِ وَالأولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [الإسراء:64].والشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر الإنسان وقلبه بطريقة لا ندركها ولا نعرفها، ويساعده على ذلك طبيعته التي خُلِق عليها، وقد ثبت في صحيح البخاري أن الرسول قال: ((إن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم))، فهذه هي الوسوسة إذ سماه الله تعالى بالوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس، قال ابن كثير: "الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ أي: أن الشيطان جاثِم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذَكَر الله خَنَس".فهكذا ـ اخوانى واخواتى ـ الشيطان، يستغِلّ ضعف الإنسان، فإنّ للإنسان نقاط ضعف كثيرة، وهي في الحقيقة أمراض تقع في قلبه، فتصبح مدخلاً من مداخل الشيطان، ومن هذه الأمراض: الغضب والشهوة والكِبْر والعُجْب والغرور والحسد والعَجَلة والجهل والغفلة والكذب والظلم والطغيان والحزن والفرح وحبّ المال والافتتان بالدنيا والنساء وغيرها، وكلّ هذه منافذ يدخل منها الشيطان للوسوسة.وإن للشيطان هدفان: هدف بعيد وهدف قريب، أما الهدف البعيد فهو إدخال العباد إلى النار معه، وقد توعَّدَ بذلك، وأما الهدف القريب فهو إيقاع العباد في الشرك والكفر، وإيقاعهم في الذنوب والمعاصي.وإن للشيطان مكائد ومصايد يصطاد بها الإنسان، كما أن له أساليب عديدة لإضلاله، فالشيطان لا يأتي إلى الإنسان ويقول له: اترك هذه الأمور الخيّرة، ولا يأتي إلى الإنسان ويقول له: اترك الصلاة أو اكفر بالله، فلو فعل ذلك فلن يطيعه أحد، ولكن يأتيه بأساليب ذكية ومختلفة، ويتدرّج معه بخطوات متعاقبة ومتتالية، ولو تطلّب ذلك وقتًا طويلاً وزمانًا بعيدًا.ومن أساليبه الخبيثة أنه يأتي ويُظهِرُ النُصحَ للإنسان، فالشيطان يدعو المرءَ إلى المعصية، يزعم أنه ينصح له، ويريد له الخير، وقد أقسم لأبينا آدم أنه ناصِحٌ له، كما أخبر تعالى: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21]، وقد ذكر فى قصة طريفة وقعت لعابد من بني إسرائيل، فلنأخذها ونتأملها على سبيل الاعتبار والحذر من أساليب الشيطان في إضلاله للإنسان: فقد وردإن عابدًا كان في بني إسرائيل، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان في زمانه ثلاثةُ إخوة لهم أخت، وكانت بِكْرًا ليس لهم أخت غيرها، وارادوا ان يخرجوا للجهاد في غزوة من الغزوات ، فلم يدروا عند من يتركون أختهم، فأجمع رأيهم على أن يُخَلّفوها ويتركوها أمانة عند هذا العابد من بني إسرائيل، وكان ثقة في أنفسهم، فأتوه وسألوه أن يتركوها عنده لحين موعد رجوعهم من الغزو، فأبى ذلك عليهم، وتعوّذ بالله منهم ومن أختهم، فلم يزالوا به حتى أطاعهم، فقال: أنزلوها في بيت تحت صَوْمعتي، بعيدًا عنى، فأنزلوها في ذلك البيت، ثم انطلقوا وتركوها، فمكثت في جوار ذلك العابد زمانًا ينزل إليها بالطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد إلى الصومعة، ثم يأمرها فتخرج من بيتها، فتأخذ ما وضع لها من الطعام، فبعد زمان ومدة تلطّف له الشيطان ، اتاه الشيطان ليلعب معه لعبته القذره وتأملوا معى فقد رغبه فى الخير وهل من المعقول ان يأمر الشيطان بخير تأملوا معى ، فلم يزل الشيطان يرغّبه في الخير، ويعظّم عليه خروج الجارية من بيتها نهارًا، ويخوّفه أن يتعرّض لها أحد أو يؤذيها عند خروجها، فقال له: فلو مشيت بطعامها حتى تضعه على باب بيتها لكان أعظم أجرًا وأسلم لها من الخروج، فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها ووضعه على باب بيتها، فلبث على هذه الحالة زمانًا، ثم جاءه إبليس فرغّبه في الأجر وحضّه عليه، وقال له: لو تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك، فلم يزل به حتى فعل ذلك، فلبث على ذلك زمانًا وتأملوا خطوات الشيطان لتحذروها فما زال يرغب العابد فى الخير تأملوا ، ثم جاءه إبليس فرغّبه في الأجر وحضّه عليه، فقال: لو كنت تكلّمها وتحدّثها فتأنس بحديثك، فهي مسكينة وحيدة، وقد استوحشت وحشة شديدة، فلم يزل به حتى حدّثها زمانًا، ثم أتاه إبليس فقال: لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدّثها وتقعد هي على باب بيتها وتحدّثك لكان أأنس لها، فلبث زمانًا على ذلك، ثم جاءه إبليس فقال: لو دخلت وحدّثتها بداخل البيت لكان أسلم لكما والسترة لها أفضل، فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدّثها ويأكلان الطعام معًا، فلم يزل إبليس يزيّنها له ويحسّنها في عينيه حتى لمسها ووقع بعد ذلك ما لا يحمد عُقْباه، فحملت الجارية منه، ووضعت له غلامًا، فجاءه إبليس بعد ذلك فقال له: أرأيت إن جاء إخوة الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع؟ لا آمن عليك أن تفتضح أو يفضحوك، فقال له إبليس: الحل هو أن تعمد إلى ابنها فتقتله وتدفنه، فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها، ففعل العابد ذلك، ثم بعد ذلك جاءه إبليس فقال له: أتظن أن الجارية ستكتم إخوتها ما صنعت بها أو أنها ستصبر على أنك قتلت ابنها؟! فالحل الوحيد لك هو أن تقتلها وتدفنها مع ابنها، فلم يزل به حتى قتلها وألقاها في الحفرة مع ابنها، وأطبق عليهما صخرة عظيمة.وبعد فترة أقبل إخوتها من الغزو، فجاؤوا وسألوه عن أختهم، فعزّاهم في أختهم، وأخبرهم أنها ماتت بعد مرض شديد، وترحّم عليها وبكى عليها، وقال: كانت خير امرأة، وهذا قبرها، فانظروا إليه. فأتى إخوتها القبر، فبكوا أختهم، وترحموا عليها، فأقاموا على قبرها أيامًا، ثم انصرفوا إلى أهاليهم، فلما جَنّ عليهم الليل وأخذوا مضاجعهم جاءهم الشيطان في النوم على صورة رجل مسافر، فسألهم عن أختهم فأخبروه بقول العابد، فأكذبهم الشيطان، وأخبرهم أن العابد لم يصدقهم في أمر أختهم، وأنه قد أَحْبَلَ أختكم وولدت له غلامًا فقتلهما معًا خوفًا منكم، وألقاهما في حفرة خلف باب البيت، فاستيقظ الإخوة الثلاث على منام واحد متواطئ، فتعجّبوا من ذلك، فقال كبيرهم: هذا حلم ليس بشيء، فقال أصغرهم: والله لا أمضي حتى آتي إلى ذلك المكان فأنظر فيه، فانطلقوا جميعًا حتى أتوا البيت الذي كانت فيه أختهم، فبحثوا الموضع كما وصف لهم في المنام، فوجدوا أختهم وابنها مقتولين في الحفرة. فأمسكوا بالعابد وسألوه، فصدق قول إبليس فيما صنع بهما، فقدّموه ليُصلَب، فلما أوثقوه على خشبة أتاه الشيطان فقال له: لقد علمت أني أنا صاحبك الذي فتنتك بالمرأة حتى أَحْبَلتها وقتلتها وابنها، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك وصوّرك خلّصتك مما أنت فيه من محنة، فكفر العابد، فلما كفر بالله تعالى، قال الشيطان للعابد الجاهل انى برىء منك إنى اخاف الله رب العالمين ، وخلّى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه وقتلوه ومات على الكفر ما تركه الشيطان حتى جعله يكفر بالله العلى الكبير .فهذه القصة ذكرها ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس، وهي قصة يرويها المفسرون عند قوله تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ [الحشر:16].فهكذا الشيطان له اساليبه لاضلال بنى ادم فمن أساليبه أنه يتدرّج خطوة بعد خطوة، لا يكَلّ ولا يَمَلّ، ولقد رأينا من القصة السابقة مثالاً وعبرة في ذلك، فالشيطان إذا أراد من مسلم ترك الصلاة لا يأتيه ويوسوس له ويقول له: اتركها مباشرة، وإنما يسلك معه أسلوب التدرج خطوة بخطوة، يأمره بتأخيرها عن وقتها، ما زال الوقت، فيلهيه وينسيه، ثم ينشغل بأمور أخرى، فيصبح يتهاون فيها، ثم تتراكم عليه الصلوات ولم يصلها، ويأتي الليل فيحاول الإتيان بها وهو عاجز عنها، فتصبح صلاته غرامة بليل كما يسميها بعض الناس، وهكذا فبعد أيام أو أشهر يملّ الإنسان ويضعف، ويترك الصلاة وهكذا.ومن أساليبه كذلك تزيين الباطل، وهذا هو السبيل الذي كان الشيطان ولا يزال يسلكه لإضلال العباد، فهو يُظهِر الباطلَ في سورة الحق، ويُظهِر الحقَّ في صورة الباطل، ولا يزال بالإنسان حتى يُحسّن له الحرام، ويزيّن له فعله، قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39، 40]، وقال الله تعالى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ [النمل:24].الشيطان يزيّن الحرامَ، ويزيّن المعاصي، أعطاه الله القدرة على تزيين المعصية، إنه زيّن لقوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مَدْين وقريش الشرك والكفر وعبادة الأصنام، وزيّن لهم المعاصي، إنه زيّن لقوم لوط الفاحشة، وزيّن للقرون الخالية المتمرّدة أنواع الذنوب والمعاصي، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَِّنُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:63].ومن أساليبه كذلك لإضلال الإنسان الوعد والتمنية، فالشيطان يعد الناس بالمواعيد الكاذبة، ويُعلّقهم بالأماني المعسولة، تشجيعًا لهم ليوقعهم في المعاصي والضلال، فالشيطان مثلاً يعد المُقامِر والمُرابِي والسارق وآخذ الرشوة بالربح السريع والكثير، ويعد الظالم بالعزّة والنصر، قال تعالى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [النساء:120]. وبرغم ما لهذا العدو اللدود من المكائد الخطيرة والأساليب الكثيرة لإضلال الإنسان إلا أن كيدَه ضعيف، فقد شهد بذلك ربّ العالمين، فقال جلّ وعلا: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76]، فكيد الشيطان ضعيف لمن آمن بالله وأطاعه، واتبع صراطه المستقيم، ولازم التوبة والاستغفار بعد كل زلّة وخطيئة، ففي الحديث الصحيح من رواية أحمد والحاكم: ((إن الشيطان قال: وعزّتك وجلالك، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب جلّ جلاله: وعزّتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني))، وقال تعالى: إِنَّ الذِينَ اتقوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف:201].وقد أرشدنا الله إلى ما يعصمنا من مكائد الشيطان ووساوسه
فكيف يعصم الانسان نفسه من مكائد الشيطان هذا هو عنوان اللقاء القادم ان شاء الله تعالى
دمت بحفظ الله وامنة
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
اخيكم فى الله / راجى عفوا الله
الشيخ محسن عطالله / ابو بهاء المصرى
امام وخطيب مسجد المختار
الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله ، واشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة نشهد عليها اهل الارض والسماء شهادة نستودعها عند ربنا ليوم اللقاء ، فتذكرنا يوم اللقاء حجتنا وتيسر على الصراط مرورنا وتروينا يوم العطش من حوض نبينا
واشهدان سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد رسول الله طب القلوب ودواءها وعافية الابدان وشفائها ، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير الله صلى وسلم وزد وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله واصحابه واتباعه الى يوم الدين
اما بعد
اخوانى واخواتى احبابى احباب رسول الله :
مما لا شك ولا ريب فيه أنّ كل إنسان منا له قرينه من الشياطين، فقد أخبرنا الرسول بذلك، فقد ورد فى صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي من عندي ليلاً، فغِرْتُ عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: ((ما لك يا عائشة؟)) قلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟! فقال: ((أقد جاءك شيطانك؟!)) قلت: يا رسول الله، أَوَمعي شيطان؟! قال: ((نعم))، قلت: ومع كل إنسان؟! قال: ((نعم))، قلت: ومعك يا رسول الله؟! قال: ((نعم، ولكنّ ربي أعانني عليه حتى أسلَمَ))، وفي صحيح مسلم وأحمد قال رسول الله : ((ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينُهُ من الجن وقرينُهُ من الملائكة))، فأخبرنا النبي أن لكل إنسان عدوًّا وقرينًا من الشيطان يتربّص به جاهدًا ومحاولاً لإضلاله عن صراط الله المستقيم. ولله الحكمة البالغة في ذلك، فقد سلّطه الله على عباده ابتلاءً وامتحانًا، قال تعالى: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوالِ وَالأولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [الإسراء:64].والشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر الإنسان وقلبه بطريقة لا ندركها ولا نعرفها، ويساعده على ذلك طبيعته التي خُلِق عليها، وقد ثبت في صحيح البخاري أن الرسول قال: ((إن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم))، فهذه هي الوسوسة إذ سماه الله تعالى بالوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس، قال ابن كثير: "الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ أي: أن الشيطان جاثِم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذَكَر الله خَنَس".فهكذا ـ اخوانى واخواتى ـ الشيطان، يستغِلّ ضعف الإنسان، فإنّ للإنسان نقاط ضعف كثيرة، وهي في الحقيقة أمراض تقع في قلبه، فتصبح مدخلاً من مداخل الشيطان، ومن هذه الأمراض: الغضب والشهوة والكِبْر والعُجْب والغرور والحسد والعَجَلة والجهل والغفلة والكذب والظلم والطغيان والحزن والفرح وحبّ المال والافتتان بالدنيا والنساء وغيرها، وكلّ هذه منافذ يدخل منها الشيطان للوسوسة.وإن للشيطان هدفان: هدف بعيد وهدف قريب، أما الهدف البعيد فهو إدخال العباد إلى النار معه، وقد توعَّدَ بذلك، وأما الهدف القريب فهو إيقاع العباد في الشرك والكفر، وإيقاعهم في الذنوب والمعاصي.وإن للشيطان مكائد ومصايد يصطاد بها الإنسان، كما أن له أساليب عديدة لإضلاله، فالشيطان لا يأتي إلى الإنسان ويقول له: اترك هذه الأمور الخيّرة، ولا يأتي إلى الإنسان ويقول له: اترك الصلاة أو اكفر بالله، فلو فعل ذلك فلن يطيعه أحد، ولكن يأتيه بأساليب ذكية ومختلفة، ويتدرّج معه بخطوات متعاقبة ومتتالية، ولو تطلّب ذلك وقتًا طويلاً وزمانًا بعيدًا.ومن أساليبه الخبيثة أنه يأتي ويُظهِرُ النُصحَ للإنسان، فالشيطان يدعو المرءَ إلى المعصية، يزعم أنه ينصح له، ويريد له الخير، وقد أقسم لأبينا آدم أنه ناصِحٌ له، كما أخبر تعالى: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21]، وقد ذكر فى قصة طريفة وقعت لعابد من بني إسرائيل، فلنأخذها ونتأملها على سبيل الاعتبار والحذر من أساليب الشيطان في إضلاله للإنسان: فقد وردإن عابدًا كان في بني إسرائيل، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان في زمانه ثلاثةُ إخوة لهم أخت، وكانت بِكْرًا ليس لهم أخت غيرها، وارادوا ان يخرجوا للجهاد في غزوة من الغزوات ، فلم يدروا عند من يتركون أختهم، فأجمع رأيهم على أن يُخَلّفوها ويتركوها أمانة عند هذا العابد من بني إسرائيل، وكان ثقة في أنفسهم، فأتوه وسألوه أن يتركوها عنده لحين موعد رجوعهم من الغزو، فأبى ذلك عليهم، وتعوّذ بالله منهم ومن أختهم، فلم يزالوا به حتى أطاعهم، فقال: أنزلوها في بيت تحت صَوْمعتي، بعيدًا عنى، فأنزلوها في ذلك البيت، ثم انطلقوا وتركوها، فمكثت في جوار ذلك العابد زمانًا ينزل إليها بالطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد إلى الصومعة، ثم يأمرها فتخرج من بيتها، فتأخذ ما وضع لها من الطعام، فبعد زمان ومدة تلطّف له الشيطان ، اتاه الشيطان ليلعب معه لعبته القذره وتأملوا معى فقد رغبه فى الخير وهل من المعقول ان يأمر الشيطان بخير تأملوا معى ، فلم يزل الشيطان يرغّبه في الخير، ويعظّم عليه خروج الجارية من بيتها نهارًا، ويخوّفه أن يتعرّض لها أحد أو يؤذيها عند خروجها، فقال له: فلو مشيت بطعامها حتى تضعه على باب بيتها لكان أعظم أجرًا وأسلم لها من الخروج، فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها ووضعه على باب بيتها، فلبث على هذه الحالة زمانًا، ثم جاءه إبليس فرغّبه في الأجر وحضّه عليه، وقال له: لو تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك، فلم يزل به حتى فعل ذلك، فلبث على ذلك زمانًا وتأملوا خطوات الشيطان لتحذروها فما زال يرغب العابد فى الخير تأملوا ، ثم جاءه إبليس فرغّبه في الأجر وحضّه عليه، فقال: لو كنت تكلّمها وتحدّثها فتأنس بحديثك، فهي مسكينة وحيدة، وقد استوحشت وحشة شديدة، فلم يزل به حتى حدّثها زمانًا، ثم أتاه إبليس فقال: لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدّثها وتقعد هي على باب بيتها وتحدّثك لكان أأنس لها، فلبث زمانًا على ذلك، ثم جاءه إبليس فقال: لو دخلت وحدّثتها بداخل البيت لكان أسلم لكما والسترة لها أفضل، فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدّثها ويأكلان الطعام معًا، فلم يزل إبليس يزيّنها له ويحسّنها في عينيه حتى لمسها ووقع بعد ذلك ما لا يحمد عُقْباه، فحملت الجارية منه، ووضعت له غلامًا، فجاءه إبليس بعد ذلك فقال له: أرأيت إن جاء إخوة الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع؟ لا آمن عليك أن تفتضح أو يفضحوك، فقال له إبليس: الحل هو أن تعمد إلى ابنها فتقتله وتدفنه، فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها، ففعل العابد ذلك، ثم بعد ذلك جاءه إبليس فقال له: أتظن أن الجارية ستكتم إخوتها ما صنعت بها أو أنها ستصبر على أنك قتلت ابنها؟! فالحل الوحيد لك هو أن تقتلها وتدفنها مع ابنها، فلم يزل به حتى قتلها وألقاها في الحفرة مع ابنها، وأطبق عليهما صخرة عظيمة.وبعد فترة أقبل إخوتها من الغزو، فجاؤوا وسألوه عن أختهم، فعزّاهم في أختهم، وأخبرهم أنها ماتت بعد مرض شديد، وترحّم عليها وبكى عليها، وقال: كانت خير امرأة، وهذا قبرها، فانظروا إليه. فأتى إخوتها القبر، فبكوا أختهم، وترحموا عليها، فأقاموا على قبرها أيامًا، ثم انصرفوا إلى أهاليهم، فلما جَنّ عليهم الليل وأخذوا مضاجعهم جاءهم الشيطان في النوم على صورة رجل مسافر، فسألهم عن أختهم فأخبروه بقول العابد، فأكذبهم الشيطان، وأخبرهم أن العابد لم يصدقهم في أمر أختهم، وأنه قد أَحْبَلَ أختكم وولدت له غلامًا فقتلهما معًا خوفًا منكم، وألقاهما في حفرة خلف باب البيت، فاستيقظ الإخوة الثلاث على منام واحد متواطئ، فتعجّبوا من ذلك، فقال كبيرهم: هذا حلم ليس بشيء، فقال أصغرهم: والله لا أمضي حتى آتي إلى ذلك المكان فأنظر فيه، فانطلقوا جميعًا حتى أتوا البيت الذي كانت فيه أختهم، فبحثوا الموضع كما وصف لهم في المنام، فوجدوا أختهم وابنها مقتولين في الحفرة. فأمسكوا بالعابد وسألوه، فصدق قول إبليس فيما صنع بهما، فقدّموه ليُصلَب، فلما أوثقوه على خشبة أتاه الشيطان فقال له: لقد علمت أني أنا صاحبك الذي فتنتك بالمرأة حتى أَحْبَلتها وقتلتها وابنها، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك وصوّرك خلّصتك مما أنت فيه من محنة، فكفر العابد، فلما كفر بالله تعالى، قال الشيطان للعابد الجاهل انى برىء منك إنى اخاف الله رب العالمين ، وخلّى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه وقتلوه ومات على الكفر ما تركه الشيطان حتى جعله يكفر بالله العلى الكبير .فهذه القصة ذكرها ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس، وهي قصة يرويها المفسرون عند قوله تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ [الحشر:16].فهكذا الشيطان له اساليبه لاضلال بنى ادم فمن أساليبه أنه يتدرّج خطوة بعد خطوة، لا يكَلّ ولا يَمَلّ، ولقد رأينا من القصة السابقة مثالاً وعبرة في ذلك، فالشيطان إذا أراد من مسلم ترك الصلاة لا يأتيه ويوسوس له ويقول له: اتركها مباشرة، وإنما يسلك معه أسلوب التدرج خطوة بخطوة، يأمره بتأخيرها عن وقتها، ما زال الوقت، فيلهيه وينسيه، ثم ينشغل بأمور أخرى، فيصبح يتهاون فيها، ثم تتراكم عليه الصلوات ولم يصلها، ويأتي الليل فيحاول الإتيان بها وهو عاجز عنها، فتصبح صلاته غرامة بليل كما يسميها بعض الناس، وهكذا فبعد أيام أو أشهر يملّ الإنسان ويضعف، ويترك الصلاة وهكذا.ومن أساليبه كذلك تزيين الباطل، وهذا هو السبيل الذي كان الشيطان ولا يزال يسلكه لإضلال العباد، فهو يُظهِر الباطلَ في سورة الحق، ويُظهِر الحقَّ في صورة الباطل، ولا يزال بالإنسان حتى يُحسّن له الحرام، ويزيّن له فعله، قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39، 40]، وقال الله تعالى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ [النمل:24].الشيطان يزيّن الحرامَ، ويزيّن المعاصي، أعطاه الله القدرة على تزيين المعصية، إنه زيّن لقوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مَدْين وقريش الشرك والكفر وعبادة الأصنام، وزيّن لهم المعاصي، إنه زيّن لقوم لوط الفاحشة، وزيّن للقرون الخالية المتمرّدة أنواع الذنوب والمعاصي، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَِّنُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:63].ومن أساليبه كذلك لإضلال الإنسان الوعد والتمنية، فالشيطان يعد الناس بالمواعيد الكاذبة، ويُعلّقهم بالأماني المعسولة، تشجيعًا لهم ليوقعهم في المعاصي والضلال، فالشيطان مثلاً يعد المُقامِر والمُرابِي والسارق وآخذ الرشوة بالربح السريع والكثير، ويعد الظالم بالعزّة والنصر، قال تعالى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا [النساء:120]. وبرغم ما لهذا العدو اللدود من المكائد الخطيرة والأساليب الكثيرة لإضلال الإنسان إلا أن كيدَه ضعيف، فقد شهد بذلك ربّ العالمين، فقال جلّ وعلا: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76]، فكيد الشيطان ضعيف لمن آمن بالله وأطاعه، واتبع صراطه المستقيم، ولازم التوبة والاستغفار بعد كل زلّة وخطيئة، ففي الحديث الصحيح من رواية أحمد والحاكم: ((إن الشيطان قال: وعزّتك وجلالك، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب جلّ جلاله: وعزّتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني))، وقال تعالى: إِنَّ الذِينَ اتقوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف:201].وقد أرشدنا الله إلى ما يعصمنا من مكائد الشيطان ووساوسه
فكيف يعصم الانسان نفسه من مكائد الشيطان هذا هو عنوان اللقاء القادم ان شاء الله تعالى
دمت بحفظ الله وامنة
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
اخيكم فى الله / راجى عفوا الله
الشيخ محسن عطالله / ابو بهاء المصرى
امام وخطيب مسجد المختار